الممكن المجاور

لدينا اعتقاد (طبيعة فكرية) قد سيطرت على تفكيرنا بأن كل شيء قد بدأ من الصفر وأن كل شيء يعود إليه. لكن من قال ذلك؟ ما هي نقطة الصفر وكيف عدت إليها إن كنت لم تبدأ منها أصلا! فهل صفر الحياة هو نفسه صفر الرياضيات؟! بنظري الإختلاف كبير! عندما بدأتَ أولى تجاربك كنت قد هيأت نفسك لما نسميه المحاولة، فلم تكن تعرف طعم المحاولة ولا ما ستمر به أصلاً، وللأسف إن باءت محاولتك بالفشل فليس عدلاً أن تعود بالزمن للصفر لأن تجاربك وخبرتك ولنقل مشاعرك أيضاً لم تعد كما كانت حين بدأت. البدء من جديد هو متابعة ما كنت تفعله لكن بطريقة جديدة، وبأسلوب جديد، وبخبرة ومهارة جديدتين. الممكن المجاور، هي نظرية غيرت مجرى التفكير الذي كنا قد أقنعنا نفسنا به؛ فليس شرطاً أن تبدأ من لا شيء، يمكنك أن تكمل حيث توقفت، ويمكنك أن تبدأ من فكرة غيرك ويمكنك أيضاً أن تستعير منها، فهو استغلال موارد وليس سرقة أفكار، فبإمكاننا أن نبتَكِرُ من الممكن المجاور احتمالات أكبر وأوسع قد لا يكون لها نهاية، وسنلاحظ اندماج الأفكار بطريقة سريعة، لنحوّل الأشياء الروتينية المملة إلى أفكار عظيمة! ستيوارت كوفمان عالم الأحياء الأمريكي، درس أصل الحياة على الأرض، وقدّم كوفمان في عام 2002 نظرية "الممكن المجاور" والتي تقترح أن النظم البيولوجية قادرة على التحول إلى أنظمة أكثر تعقيداً من خلال تغييرات تدريجية على النظام الموجود بالأصل، فاستخدم ستيفن جونسون هذا المفهوم في كتابه “Where Good Ideas Come From” لوصف كيف أنّ الأفكار الجديدة يمكن أن تتولد في المناطق غير المستكشفة والمستغلة سابقاً، وكيف يمكننا استغلال ما هو مكتشف وموجود أصلاً في إحداث تطورات وتغييرات جديدة يمكن أن تثري الحقل التكنولوجي الحالي؛ فمثلاً عندما نرى مواقع التواصل الاجتماعي التي ما زالت تزداد حتى لم نعد نحصِها فهي اقتباس أفكار ولكن بطرق مختلفة. في نهاية الأمر، من المتوقع أن تحدث هذه الفكرة وعياً جديداً وجدّياً لدى المكتشفين ولدى أي شخص قادر على ربط الأفكار المتواجدة أصلاً لخلق إبداع جديد يفيد البشرية، وقد تثري أيضاً الجانب الخُلقي، وتوسع مدارك العقل البشري لاستغلال كل ما يحيط به وتقبل واقع أن الأفكار تتجدد والعلم يتطور بصورة حضارية راقية، ففي النهاية جميعنا نمتلك الإبداع لكن طريقنا إليه مختلف.