ليلٌ يلا ظلام

أُطلق مسمى ""ليل بلا ظلام"" على التلوث الضوئي أو ما يسمّى بتلوث سماء الليل. هذا التلوث يعد ظاهرة مترتبة عن الإضاءة غير الطبيعية ليلًا وآثار الإنارة الاصطناعية الليلية على الحيوانات والنباتات والأنظمة البيئية وآثاره المشتبهة والثابتة على صحة الإنسان. في السماء ليلًا قد نرى غطاء برتقاليًا معلقًا في جميع أنحاء العالم، ممّا تسبب في وجوده مصابيح الشوارع التي تصب أضواءها في السماء، ففي بريطانيا وحدها هناك على الأقل 7.5 مليون مصباح من مصابيح الشوارع، يضاف لها مئة ألف كل عام؛ فأضواء الليل تقلل الحوادث، وتحد من الجرائم، وتبعد مخاوف الناس من الظلام، لكنه من جهة أخرى أمان بثمن باهظ وهو تشكل هذه الظاهرة وما يترتب عليها من أثار سلبية على الإنسان والكائنات الحية. إنّ هذه الظاهرة حديثة جدًا، إذ ظهرت في الثمانينيات من القرن العشرين، لِما شهده العالم من تطورات منذ ذلك الحين، إثر اجتهادات علماء الفلك الأمريكين الشماليين ثم الأوروبيين والمنظمات التي تمثلها، ثم نُشطاء آخرين. للتلوث الضوئي تأثيرات على شتّى الكائنات؛ فلا شك أن أحد أكبر تأثيراته هو إحداث اختلالات وظيفية في المنظومات البيئية، فقد بينت دراسات علمية متعددة أن الطيور المهاجرة -وأغلبها يهاجر ليلًا- أصبحت تضل طريقها بسبب الوهج السماوي المضيء الذي يعترضها في طريق الهجرة، ممّا يمثل خطرًا على حياتها ويتسبب في انقراض أنواع كثيرة منها. كما تُحدث الأضواء الكثيفة اضطرابًا لدى الحيوانات ذات النشاط الليلي وهو ما يجعلها تهجر مواطنها، وبينت الدراسات أن الكثير من اللافقاريات تتجنب الضوء ومصادره خلال الليل. ولم تنجُ النباتات من التأثرات السلبية للضوء، فقد لاحظ العلماء مثلًا تدني مردود مزارع الأرز التي تتعرض للضوء الصناعي، كما يتأخر تساقط أوراق بعض أنواع الأشجار لنفس السبب، ويحدث اضطراب في عملية التمثيل الضوئي لأنواع أخرى من النباتات. أما بالنسبة للإنسان الذي يعتمد على ضوء النهار في ضبط ساعاته البيولوجية بواسطة نظام هرموني محكم، فقد بينت الدراسات أن الإضاءة الليلية تدخل اضطرابًا على هذا النظام أيضًا، مما يسبب الأرق والتعب والتوتر النفسي، كما إن احتواء الضوء الصناعي على نسب عالية من الأشعة فوق البنفسجية قد يساهم في ظهور خلايا سرطانية على الجلد. تمتد تأثيرات التلوث الضوئي لتشمل أنشطة بشرية تتطلب أكبر قدر ممكن من الظلمة مثل رصد النجوم، فانتشار المدن وكثرة الأنوار في الليل تجعل عملية الرصد صعبة جدًا بسبب تدهور ما يطلق عليه هواة علم الفلك ""جودة السماء"" ويقصد به شدة لمعان النجوم في مكان الرصد ، خاصة إذا أضفنا إلى ذلك عوامل كالرطوبة والأدخنة والغبار والسحب وغيرها. ويعتبر التصوير الفلكي هو الأكثر تأثرًا بعوامل التلوث الضوئي لما يتطلبه من ظروف مثالية للرصد. وللأسف فإن هذه الظاهرة بعيدة عن السيطرة ولم تُعطى جانباً من الاهتمام، كما أنّ معظم الدراسات التي أجريت لم تتم على أكمل وجه ودقة عالية.