البحر يتوقّد ناراً

الماء والنار مادتان غير متوافقتان، فالماء يطفئ النار، والنار تبخّر الماء. إذاً كيف يمكن لبحر مليء بالمياه أن يتوقد نارًا ؟! بسبب هذا التناقض علَّق المفسّرون على الآية ""والبَحْرُ المٓسْجور"" بأنها تشير إلى ما سيحدث يوم القيامة اعتمادًا على آية أخرى تعطي نفس هذا المعنى، وهي الآية السادسة من سورة التكوير ""وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ"". سعى المفسّرون للوصول إلى معنى لغويّ آخر لكلمة مسجور غير ""إشعال النار""، فاكتشف علماء الجيولوجيا مؤخرًا أن جميع المحيطات وبعض البحار مثل: البحر الأحمر وبحر العرب، متوقّدة بالفعل! فقد تم رصد أكثر من 64 كم من الارتفاعات منتصف المحيطية الواقعة حول الوديان المتصدّعة في منتصف المحيط. تتكوّن هذه الارتفاعات في قاع المحيط من صخور بازلتية بركانية تتصبّب من المناطق المتصدّعة المحيطية عند درجات حرارة تفوق الألف درجة مئوية! تُكَوِّن هذه القوة البركانية المحيطية الهائلة الارتفاعات منتصف المحيطية وتتسبب في امتدادها جانبيًّا والذي يعرف بظاهرة امتداد قاع المحيط. تتكوّن ألواح جديدة من القشرة المحيطية على جانبي المناطق المتصّدعة بسبب التصبّب المستمر للبازلت الجديد، حيث تتصدّع قشرة قاع المحيط وتدفع الصهارة بالجوانب المتقابلة للمنطقة المتصدّعة جانبًا مما يسبب الحركة التقاربية والتباعدية وأحياناً الجانبية للصفائح . مِمَ تتكون هذه القشرة ؟ و ماذا ينتج عن الإنفجارات البركانية ؟ يتكوّن البازلت الموجود على سطح القشرة المحيطية في قاع المحيط، والذي يبلغ سمكه في المتوسط 7 كم تقريبًا، من الآتي (من أعلى إلى أسفل) : -- صفر إلى واحد كيلو جرام من الرواسب -- 1 كم من وسائد الحمم البازلتية -- 5 كم من الجدّات الموازية من الجابرو (وهي أجسام منبسطة من الصخور البركانية قائمة بين طبقتين من مقذوفات البراكين) التي تتغذّى من خنادق . وتنتج عدة ظواهر بعد الانفجارات البركانية نتيجة تفاعل المياه الجوفية مع الصخور الحامية المدفونة التي تتضمن : 1. تكوين ينابيع حامية نتيجة تسخين المياه الجوفية وتمعدنها بسبب وجود الصخور البركانية بها . 2. تكوين حمَّات التي هي انفجارات دورية لمياه مغلية تزيد درجات حرارتها عن 200 درجة مئوية تنتج عن دورانها مع مياه في غاية السخونة موجودة في الأعماق وملامسة للصخور الحامية التي تزيد درجات حرارتها عن الألف درجة مئوية. 3. المنافذ البركانية التي هي منافذ للأبخرة المتشبّعة بـثاني أكسيد الكبريت وكبريتيد الهيدروجين والهيدروكلوريد والهيدروفلوريد. 4. المنافذ الكبريتية التي هي منافذ بركانية غنيّة بمركبات الكبريت . معظم النشاط البركاني القائم حاليًا في قيعان البحار والمحيطات بدأ قبل 20 مليون سنة، وبعض ذلك النشاط البركاني مستمر منذ أكثر من 100 مليون سنة مثل الذي في جزر الكاناريا. نفهم من المناقشة السابقة أن جميع المحيطات والبحار التي تتعرّض لظاهرة امتداد قيعانها متوقّدة بالفعل في حين أن البحار التي بدأت في الانغلاق ليست متوقدة . هذه النيران في قاع المحيط موجودة على هيئة سيلانات بازلتية غاية في السخونة وقذائف الصهارة المتصبّبة من شبكات الوديان المتصدّعة التي تشقّ طبقة الليثوسفير للكرة الأرضية . تجري هذه التصدعات لعشرات الآلاف من الكيلو مترات حول الكرة الأرضية في جميع الاتجاهات لأعماق ما بين 65 إلى 150 كيلو مترا ؛ لتصل ما بين قاع المحيطات والبحار وبين طبقة الأثنوسفير البلاستيكية شبه المصهورة وشديدة السخونة وبالتالي فإن قيعان المحيطات والبحار هذه متوقّدة بالفعل! هذه الحقيقة المدهشة لم يتوصّل إليها العلم الحديث إلا في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، وبالتالي فإن سبق القرآن الكريم لهذه الحقيقة المدهشة والمدفونة في قيعان المحيطات خير دليل على طهارة وصدق مصدر هذا الكتاب الكريم.. فسبحان الله العظيم.